وزير الأوقاف.. السياحة أحد المفاتيح السحرية السريعة العاجلة التي تتمتع فيها مصر ببنية تحتية قوية
مفاتيح الاقتصاد المصرية كثيرة ومتعددة, منها الثروات الطبيعية التي لم تكتشف بعد, والتي لم تستغل, ومنها استرداد ما نهب من أراضي وأملاك الدولة, ومنها حسن إدارة واستثمار أموال الوقف والإصلاح الزراعي وأملاك الدولة ، ومنها مشروع محور بل محاور قناة السويس, وهو ما عبرنا عنه بالعبور الثاني والأهم, ومنها استصلاح الأراضي, وتجويد ما هو قائم منها وتحسين إنتاجية الفدان, ومنها مثلث ” القصير – سفاجا – قفط ” المعروف بالمثلث الذهبي, ومنها استغلال الموقع الجغرافي لمصر كنقطة من أهم نقاط ارتكاز التجارة العالمية, ومنها تأهيل وتدريب العامل المصري, وتحسين جودة المخرج التعليمي, ومنها الاهتمام بالصناعة, سواء الصناعات الكبرى والثقيلة, أم الصناعات التحويلية, أم الصناعات التكميلية ، والبداية بتحسين مستوى التعليم الفني, ومنها ثورة المعلومات الإنتاج التقني والفني والإبداعي, ومنها تجارة الحلال, وغير ذلك كثير ، غير أنني اخترت ميدان السياحة لأسباب من أهمها :
1- أنها أحد المفاتيح السحرية السريعة العاجلة التي تتمتع فيها مصر ببنية تحتية قوية, ما بين معالم حضارية وتاريخية وأثرية وثقافية وطبيعية لم تتوفر مجتمعة لأي بلد آخر في العالم, فأينما وجهت نظرك وجدت معلما أو ملمحا أثريا أو تاريخيا أو مظهرًا من مظاهر الطبيعة الساحرة التي حبانا الله عز وجل بها, غير أننا نحتاج إلى إعادة تأهيل وتطوير كثير من هذه المعالم, مع عمل البرامج التسويقية العصرية في الداخل والخارج, لأن فاقد الشيئ لا يعطيه, وما لم نؤهل جميع العاملين في مجال السياحة تأهيلا علميا عصريا, ونجعل كل مصري يشعر بعظمة بلاده ويفخر بها ، فسنضيع الكثير من وجوه الإفادة من هذه الثروات.
2- أن السائح ينفق إنفاقا مباشرًا لا يهدف به إلى الربح أو الاستثمار, وإنما هو في جملته إنفاق استهلاكي يعود الجزء الكبر منه على البلد المضيف والعاملين به, سواء من يعملون في المجالات السياحية بصورة مباشرة أم من يعملون في تقديم الخدمات لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة, أم من جهة تأثيره على الاقتصاد العام الذي ينعكس تحسنه بلا شك على سائر أفراد المجتمع.
3- أن السياحة مهنة كثيفة فرص التشغيل المباشر وغير المباشر, فالفرص المباشرة بواقع 1.2 فرصة عمل مباشرة لكل غرفة أي أن الفندق إذا كانت سعته 500غرفة يوفر نحو 600 فرصة عمل مباشر وضعفي هذا العدد على الأقل من الفرص غير المباشرة, ناهيك عن حركة الطيران الداخلي والخارجي, والنقل الداخلي, والخدمات ، سواء فيما يتصل بحركة البيع ورسوم المتاحف والمعالم الأثرية والرحلات البحرية, وأصحاب المراكب واليخوت والبازارات, والمطاعم والمقاهي, وكل ما يتصل بهذه الحرف والصنائع من قريب أو بعيد.
4- أننا لو أحسنا عرض ما لدينا من حضارة إنسانية, وعاملنا السائحين بما تقتضيه حضارتنا الإسلامية السمحة وأخلاقها الراقية, من دون أن نتعرض لدين السائح أو خصوصياته ، أو ندخل معه في أي جدل عقدي أو ديني, لاستطعنا أن نترك لدى السائح انطباعا عن حضارتنا ورقيها يمكن أن يسهم إسهاما جيدًا في تصحيح بعض الأخطاء التي نتجت عن اختطاف الجماعات الظلامية لخطابنا الإسلامي والثقافي والفكري, وانتهجت مسلك التشدد والغلو أو التطرف والإرهاب, مما شوه بعض ملامح وجهنا الحضاري, وأصبح الأمر يتطلب جهدًا وعملا شاقًا ومتواصلا لتصحيح الصورة وبيان أن تلك الجماعات الضالة المارقة لا تمثل الإسلام ولا وجهه السمح ، وإنما هي عبء ثقيل عليه وعلى حضارته وقيمه وأخلاقه وإنسانيته الراقية.
5- السياحة الداخلية, والذي لا شك فيه أن كثيرا من المصريين لا يعرفون عن حضارتهم العريقة إلا النذر اليسير, حتى هذا النذر اليسير ربما كان أقرب إلى السماع منه إلى المعاينة والمعايشة لدى كثير منهم.
وأنا على يقين أن من يقف من أبناء مصر وبخاصة الشباب على جوانبها الحضارية وتراثها الأثري ، ويتعرف من المتخصصين على جوانبه وأبعاده لابد أن يزداد ولاء الوطن ويفخر بانتمائه إليه .
والذي لا شك فيه أيضا أننا في حاجة ملحة إلى إعادة النظر في عرض منتجنا السياحي والتعريف به بالداخل والخارج ، وألا يقع العبء في ذلك على وزارة السياحة وحدها ، أو هيئة التنشيط السياحي وحدها ، إنما هناك جهات ومؤسسات عديدة ، منها وزارة الطيران المدني بعرض أفلام تسجيلية متنوعة على رحلاتها عبر العالم وباللغات المختلفة عن تراثنا الحضاري ومعالمنا الأثرية والسياحية ، وأن تقوم وزارة الخارجية عبر سفاراتنا وملحقينا الثقافيين بالخارج بإقامة المعارض المتضمنة ذلك ، وأن تقوم وزارات الآثار والثقافة والإعلام بتسليط الضوء على كل ذلك ، وأن تقوم الجامعات ، والمدارس، وأندية الشباب، والمصانع ، والمؤسسات العلمية، والبحثية، والإدارية، بتنظيم رحلات متتابعة للتعرف على هذا التراث الإنساني والثقافي والحضاري والفني والتاريخي الذي لا نظير له في أي دولة أخرى من دول العالم ، كما أننا ينبغي أن نعمل على تنشيط السياحة الدينية والثقافية التي تمتلك فيهما مصر نصيبا وافرا ومتفردا يشكل بعدا إضافيا لمقاصدها السياحية ، على أن ذلك كله يتطلب اصطفافا وطنيا لمواجهة الإرهاب والقوى الظلامية التي تعمل على ضرب استقرار الوطن وتتخذ من التخريب والتدمير منهجا ومسلكا بدلا من عمارة الكون التي أمرنا الله عز وجل بها .